U3F1ZWV6ZTM1NTgxMTY5NjA2OTA3X0ZyZWUyMjQ0NzY3ODUyMjQwMg==

خطبة الجمعة من المسجد النبوي 11 ربيع أول 1443

 خطبة الجمعة من المسجد النبوي 11 ربيع أول 1443

ألقى فضيلة الشيخ / صلاح البدير من منبر المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة خطبة الجمعة 11 ربيع أول 1443 بعنوان المسلم بين الرجاء والخوف تحدث فضيلته عن المعنى الصحيح للرجاء في الله و النهي عن الاغترار بالدنيا وزخرفها ووجوب التوبة والرجوع إلى الله وعدم القنوط أكتب ما تحدث فيها ...

صورة الشيخ صلاح البدير وهو في المنبر

عنوان الخطبة المسلم بين الرجاء

الخطبة الأولى:

الحمد لله، الحمد لله الذي شرع الدين وبين معالمه، وهدى للحق وأعلى مراسمه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، فاز مَنْ رجَا مكارمَه ومراحمَه، وَلَزِمَ فرائضَه وترَك محارمَه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، سَعِدَ مَنِ اتَّبَع هديَه واغتنَم مغانمَه، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، صلاةً باقيةً دائمةً.

أما بعدُ، فيا أيها المسلمون: اتقوا الله فإن الأمس مَثَلٌ، واليومَ عملٌ، وغدًا أملٌ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].

أيها المسلمون: تبينوا الرشد من الغي، وميزوا بين الحي واللي، ولا يُذهِلنَّكم التمتع بمتاع الدنيا، والتلهي بزخرفها عن الاستعداد ليوم المعاد، ولا تكونوا كأهل الغرة بالله، الذين تهافتوا على المناهي، وانبعثوا في المنكرات، وارتكَبُوا المحارمَ، وعطَّلوا أمرَ الله ونهيَه، وتركوا العمل، واسترسلوا في المعاصي؛ اغترارًا بسعة الرحمة وكثرة النعمة، وتأميلًا لعفو الله -تعالى-، واتكالًا على كرمه ومغفرته، فإذا عُوتبوا ونهوا وذكروا تعلقوا بنصوص الرجاء، واتكلوا عليها، ورددوها وعددوها، يرجون المغفرة وهم مجاهرون بالسوء، مماطلون بالتوبة، كارهون للنصيحة، مصرون على الذنب، عائدون إلى مثله، غير تائبين عنه، حتى قال قائلهم:

وَكَثِّرْ ما استعطتَ من الخطايا *** إذا كان القُدُومُ على كريمِ

وذلك ديدن المخدوعين والمغرورين، ودأب المصرين والمعاندين، ودين المتهاونين بالوعيد، الذين سوَّل لهم الشيطانُ الأفَّاكُ الغرارُ الكذابُ وزيَّن لهم اقتراف السيئات، والانهماك في الغفلات، وارتكاب المعاصي واتباع الشهوات، وأمدهم في الغي، وألقاهم في الحسرة، وأغراهم بالأباطيل والتعاليل، ومناهم بالأمل الخائب، والرجاء الكاذب، قال الله جل وعز في أمثال هؤلاء: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ)[الْأَعْرَافِ: 169]، قال مجاهد في معنى الآية: "لا يشرف لهم شيء من الدنيا إلا أخذوه، حلالًا كان أو حرامًا، ويتمنَّون المغفرة، ويقولون: سيُغفر لنا"، وقال القرطبي: "ذمَّهم باغترارهم في قولهم: سيُغفر لنا، وهم مُصرُّون، وإنما يقول: سيُغفر لنا مَنْ أقلَع ونَدِمَ"، وقال بعض العلماء، في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم، ولَجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم، قال: لم يرد هذا الحديث موردَ تسلية المنهمكين في الذنوب، وتوهين أمرها على النفوس، وقلة الاحتفال بمواقعتها، على ما يتوهمه أهلُ الغرة بالله؛ فإن الأنبياء -صلوات الله عليهم- إنما بُعثوا ليردعوا الناس عن غشيان الذنوب، واسترسال نفوسهم فيها، بل ورد مورد البيان لعفو الله عن المذنبين، وحسن التجاوز عنهم؛ ليعظموا الرغبة في التوبة والاستغفار".

وقال ابن القيم -رحمه الله-: "والرجاء ثلاثة أنواع، نوعان محمودان، ونوع غرور مذموم، فالأوَّلان رجاء رجل عمل بطاعة الله، على نور من الله، فهو راجٍ لثوابه، ورجل أذنب ذنوبًا ثم تاب منها، فهو راجٍ لمغفرة الله وعفوه وإحسانه، وجوده وحلمه وكرمه، والثالث رجل متماد في التفريط والخطايا، يرجو رحمة الله بلا عمل، فهذا هو الغرور والتمني، والرجاء الكاذب"، وقال الحسن البصري: " ‌إِنَّ ‌قَوْمًا ‌أَلْهَتْهُمُ ‌الْأَمَانِيُّ ‌حَتَّى ‌خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا لَهُمْ حَسَنَةٌ، وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: إِنِّي أُحْسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّي وَكَذَبَ، وَلَوْ أَحْسَنَ الظَّنَّ لَأَحْسَنَ الْعَمَلَ"، وَتَلَا قَوْلَ اللَّهِ -تَعَالَى-: (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ)[فُصِّلَتْ: 23]".  

وقال سعيد بن جبير: "‌الغرة ‌بالله ‌أن ‌يتمادى ‌الرجل بالمعصية، ويتمنَّى على الله المغفرةَ"، وقال يحيى بن معاذ: "مِنْ أَعْظَمِ الِاغْتِرَارِ عِنْدِي التمادي في الذنوب مع رَجَاءِ الْعَفْوِ مِنْ غَيْرِ نَدَامَةٍ ‌وَتَوَقُّعُ ‌الْقُرْبِ ‌مِنَ ‌اللَّهِ ‌-تَعَالَى- ‌بِغَيْرِ ‌طَاعَةٍ وَانْتِظَارُ زَرْعِ الْجَنَّةِ بِبَذْرِ النَّارِ، وَطَلَبُ دَارِ الْمُطِيعِينَ بِالْمَعَاصِي، وَانْتِظَارُ الْجَزَاءِ بِغَيْرِ عَمَلٍ، وَالتَّمَنِّي عَلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- مَعَ الْإِفْرَاطِ"، وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "كَفَى ‌بِخَشْيَةِ ‌اللَّهِ ‌عِلْمًا، وَكَفَى بِاغْتِرَارٍ بِاللَّهِ جَهْلًا".

فيا عبد الله: أيُّ أمان حملَك على الاغترار؟ وأي رجاء جرَّأك على الأوزار، وأغراك على الإسرار؟ أغرَّكَ جميلُ ستره؟ أم غرَّكَ طولُ إمهاله؟ أم غرَّكَ أنه لم يُعاجِلْك بالعقوبة؛ بسطًا منه لك في مدة التوبة؟ ولو راجعتَ نفسك لعلمتَ أن ستر الله وإمهاله مُوجِب لشكره على إظهاره لمحاسنكَ، وستره لذنوبك ومعايبك، فلا تأمنن أن يختم الله لك بذنوبك، التي سترها عليك، فتكون من الهالكين.

يا ناظرًا يرنو بعينَيْ راقدِ *** ومُشاهِدًا للأمر غيرَ مُشاهِد

تَصِلُ الذنوبَ إلى الذنوب وترتجي *** دَرَكَ الجِنانِ بها وفوز العابد

ونَسِيتَ أن الله أخرَج آدمًا *** منها إلى الدنيا بذنب واحد

فاتقوا الله -أيها المسلمون-، وارتدِعوا عن الاغترار، وأقلِعوا عن الأوزار، واستتِرُوا بستر الله، واستحيوا من الله، واحذروا؛ فإن الناس يُعيِّرون ولا يُغيِّرون، ويفرحون ولا يسترون، وينشرون ولا يتورَّعون، إلا مَنْ رَحِمَ الله، وقليلٌ ما هُمْ.

أقول ما تسمعون وأستغفِر اللهَ فاستغفِروه، إنه كان للأوَّابين غفورًا.

الخطبة الثانية:

الحمد لله العلي القدير، السميع البصير، أحمدُه حمدَ عبدٍ معترِفٍ بالذنب والتقصير، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، إليه المعاد وإليه المرجع والمصير، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه، كان يَخصِف نعلَه، ويخيط ثوبَه، ويعمل في بيته وينام على الحصير، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاةً تبقى وسلامًا يترى إلى يوم الدين.

أما بعدُ فيا أيها المسلمون: اتقوا الله وأطيعوه، وراقِبوه ولا تعصوه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التَّوْبَةِ: 119].

أيها المسلمون: ارجوا الله رجاءً لا يُجرِّؤكم على معصيته، وخافُوا اللهَ خوفًا لا يؤيسكم من رحمته؛ فإن الرجاء يستلزم الخوفَ، ولولا ذلك لكان أمنًا، والخوف يستلزم الرجاءَ، ولولا ذلك لكان قنوطًا ويأسًا، ومَنْ حمَل نفسَه على الرجاء تعطَّل، ومَنْ حمَل نفسَه على الخوف قنط، ولكن ساعة وساعة، ومن رجا شيئا طلبه، ومن خاف شيئا هرب منه، ومن رجا الرحمة تعرض لأسبابها، ومن أسبابها التوبة من الزلل، وكثرة الاستغفار، ولو تكرر الذنب، ومن تاب بصدق قبلت توبته، ومحيت خطيئته، قيل للحسن -رحمه الله-: "‌ألا ‌يستحي ‌أحدنا ‌من ‌ربه ‌يستغفر من ذنوبه ثم يعود ثم يستغفر ثم يعود؟ فقال: ود الشيطان لو ظفر منكم بهذا أي باليأس من التوبة والكف عنها، فلا تملوا من الاستغفار"، وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته: "أَيُّهَا النَّاسُ، ‌مَنْ ‌أَلَمَّ ‌بِذَنْبٍ ‌فَلْيسْتَغْفِرِ ‌اللهَ وَلْيَتُبْ، فَإِنْ عَادَ فَلْيسْتَغْفِرِ اللهَ وَلْيَتُبْ، فَإِنْ عَادَ فَلْيسْتَغْفِرِ اللهَ وَلْيَتُبْ، فَإِنَّمَا هِيَ خَطَايَا مُطَوَّقَةٌ فِي أَعْنَاقِ الرِّجَالِ، وَإِنَّ الْهَلَاكَ كُلَّ الْهَلَاكِ فِي الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا".

أيها المسلمون: اخرجوا من شؤم المعاصي، وتخلَّصوا من أسر الشيطان، واحذروا الاغترارَ، واصدقوا في التوبة والاستغفار. وأختتم فضيلته هذة الخطبة بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الدعاء ...

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة